تفاصيل الخبر
آخر المقالات
تابعونا على
من لهب التنور إلى وهج الولاء: متطوعة تخدم زائرات الأربعين منذ (٢٠) عامًا

(أمّ مرتضى) تروي قصص الكرامات وتوصي الفتيات بسلوك طريق الخدمة الحسينية.. بين حرارة التنّور، وتحت أشعّة شمس كربلاء اللاهبة، تصنع أمّ مرتضى البالغة من العمر (51) عامًا كلّ يوم خبزًا يفيض برائحة البركة ودفء العطاء. بدأت خدمتها في عام (2005م) من خيمة صغيرة كانت تخبز فيها الخبز للزائرات، ومع توالي السنين انتقلت إلى ركن من أركان مجمّع أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) الخدمي، إذ تواصل اليوم مسيرة العطاء، تعجن بيديها قصّة ولاء، وتوزّع على الزائرات والأطفال والخدم زادًا لا يشبه أيّ طعام؛ لأنّه مخبوز على نار حبّ الحسين (عليه السلام) المتوهّجة في قلبها قبل أن يلتصق بجدار التنّور.. تقول وهي تقلّب الرغيف بمهارة اكتسبتها عبر السنين: "أعمل في الخدمة منذ عام (2005م)، وأسأل الله تعالى أن يتقبّل منّي، اخترتُ الخبز لأنّ حرارة التنّور أهون من حرارة حبّ الحسين (عليه السلام) في قلبي، فلو احترقتُ كلّي فهو في سبيله". حولها تحلّق نساء وفتيات من مختلف الأعمار؛ إحداهنَّ توزّع الماء للعاملات، وأخرى تراقب اللهب وهي تتمتم بنداءات الحزن على السيّدة زينب (عليها السلام)، بينما تواصل الأيادي العمل في صمت لا يقطعه سوى خشخشة الخبز حين يلتصق بجدار التنّور.. الخبز الذي يخرج من بين يديها لا يشبه خبزنا العادي بل هو خبز موسوم بـ"زاد أبي الفضل العبّاس -عليه السلام-"... يُوزّع على الجميع: الزائرات، الأطفال، الخدم، حتى مَن يقصدون المكان طلبًا للتبرّك، تقول وهي تعطي رغيفًا لسيّدة اقتربت بخجل: "هنا لا يُردّ أحد، فالبركة في العطاء للجميع". على الرغم من أنّ بيتها وأولادها ووالدتها المسنّة المريضة ينتظرونها، إلّا أنّها لم تتردّد في تركهم أيام الخدمة، مؤكّدة: "أولادي وبيتي أودعتهم عند الحسين (عليه السلام)، أمّي كانت السبب في حبّي للخدمة، وهي نفسها شفيت من مرض عضال ببركات قمر العشيرة، وهذا طريقي الذي سلكته منذ طفولتي". تكشف بابتسامة فخر أنّ ما تبذله هنا لا تستطيع فعله في منزلها: "في البيت أتعب سريعًا، لكن هنا أعمل لساعات بلا كلل، أستقبل الزائرات وأدعوهنَّ للتبرّك، كأنّ القوة تُمنح لي من أهل البيت -عليهم السلام-". وعند المساء، وبعد أن تكتمل (300) رغيف يوميًا، تجلس وسط مَن ساعدنها لتروي لهنَّ قصص الكرامات التي عاشتها في سنوات الخدمة، وتوصيهنَّ بالاستمرار في هذا الطريق، مؤكّدة أنّ مَن سلكه ذاق طعم البركة والعطاء.. هنا، بين لهب التنّور وبرودة الطمأنينة، تمضي أمّ مرتضى في رحلتها اليومية، تنسج بخيوط الخبز جسورًا من المحبّة، وتترك على طريق الأربعين أثرًا لا يُمحى من الكرم والولاء.